التواصل مع فاقدي الوعي يمر عبر المخ
هناك العديد من الحالات المرضية التي يدخل فيها المريض إلى حالة من الغياب عن الوعي أو الغيبوبة فتنقطع صلته تماما بالعالم من حوله، وقد يكون لدى بعض منهم شيء من الوعي الذي لا يستطيع المريض معه التعبير عن ذلك أو التلويح به، لذا فالفيصل هنا سوف يكون مراقبة المخ ومحاولة تلقين المريض بعضا من العبارات التي سيلقي نحوها انفعالا ما يجعل بعض مناطق مخه تنشط لكي تخبرنا بذلك، هكذا كانت تجارب أدريان أوين من جامعة كامبريدج الإنجليزية عندما أجرى مع فريقه في العام 2006 بحثا حول حالة لامرأة غائبة عن الوعي، قاموا بتلقينها للقيام بتخيل نفسها كأنها تمارس رياضة التنس أو تتجول حول منزلها، فأظهر مخها نشاطا معينا عن كل انفعال دليلا على وجود بعض الوعي لديها. فيما بعد، وبالتعاون مع ستيفين لوريز متخصص الأعصاب بجامعة ليج ببلجيكا، أخذ الفريق طموحهم لكي يديروا دفة الحديث مع هؤلاء المرضي فيخلقوا لهم منفذا للتواصل مع العالم الخارجي، في تجاربهم استخدم الفريق آشعة الرنين المغناطيسي MRI، وأخضعوا نحو ثلاثة وعشرين مريضا من المملكة المتحدة وبلجيكا شخصت حالاتهم كفقدان للوعي، أربعة منهم أظهروا استجابة إيجابية دلت على وجود بعض الوعي لديهم، فاختار الفريق أحدهم لكي يسألوه بعض الأسئلة الشخصية، وكان عليه تخيل نفسه يمارس التنس عندما يريد الجواب «بنعم»، وأن يتخيل نفسه يتجول حول منزله عندما يكون جوابه «بلا»، وقد سجلت النتائج نجاحا باهرا عندما تلقى العلماء جوابا صحيحا على كل أسئلتهم، فقد أدرك المريض مهمته وكان قادرا على التواصل وصياغة الإجابات، وكانت نتائجه متشابهة تماما مع تلك النتائج التي تعطيها أدمغة الأصحاء إذا ما خضعوا لمثل ذلك الاختبار.
مثل تلك النتائج التي توصل إليها أوين وفريقه سوف تغير الكثير، فالأطباء يستطيعون الآن التأكد تماما من وجود بعض الوعي لدى مرضاهم بعيدا عن الاختبارات السريرية والفحوصات المعتادة التي قد يخالطها بعض الشك، والمريض يستطيع أن يعطي رأيا في تأثير العلاج الذي يتناوله بل ويطلب في بعض الأحيان تغييره، ورغم تأكد أوين وفريقه، أن وجود ذلك التواصل المنطقي بـ «نعم ولا» غير كاف لقيام المريض باتخاذ قرارات معقدة، أو الإجابة على استفسارات أكثر جدية، إلا أنها بلا شك بداية مهمة في طريق عودة مثل ذلك المريض المنعزل إلى حياتنا مرة أخرى.